الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقال آخر: وقال بعضهم: أصل النتق والنتوق أن يقلع الشيء من موضعه فيرمى. قال أبان بن تغلب: سمعت رجلًا من العرب يقول لغلامه: فخذ الحجر ألقه فانتقه أي نكسه وانثره.ويقال للمرأة الكثيرة الولد: ناتق ومنتاق لأنها ترمي صدرها رميًا قال النابغة: وقال بعضهم: هو من التحريك فقال: ينتقي السير أي حَرَكني، يقال: ينتق برجله ويركض إذا حركت رجله على الدابة حين تعدو به. {كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ} الظلة ما أظلك {وظنوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ} نازل بهم {خُذُواْ} أي قلنا خذوا {مَا ءاتيناكم بِقُوَّةٍ واذكروا مَا فِيهِ} فاعملوا به {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} وذلك حين أبوا أن يقبلوا أحكام التوراة ويعملوا بها لتغليظها وكانت شريعة ثقيلة فرفع الله عز وجل جبلًا على رؤوسهم مقدار عسكرهم وكان فرسخًا في فرسخ.وقيل لهم: إن قبلتموها بما فيها ليقعن عليكم. قال الحسن البصري: فلما نظروا للجبل خرَّ كل رجل ساجدًّا على حاجبه الأيسر ونظر بعينه اليمنى على الجبل خوفًا من أن يسقط عليهم فلذلك ليس اليوم في الأرض يهودي يسجد إلاّ على حاجبه الأيسر، يقولون: هذه السجدة التي رفعت عنا بها العقوبة.نشر موسى الألواح فيها كتاب الله كتب بيده لم يبقَ على وجه الأرض جبل، ولا بحر ولا حجر إلاّ اهتزّ فليس اليوم يهودي على الأرض صغير ولا كبير يقرأ عليه التوراة إلاّ اهتزّ وتعفّر لها رأسه. اهـ.
والثاني: بمعنى جذبناه، والنتق: الجذب ومنه قيل للمرأة الولود ناتق، قال النابغة: واختلف في سبب تسميتها ناتقًا، فقيل لأن: خروج أولادها بمنزلة الجذب. وقيل: لأنها تجذب ماء الفحل تؤديه ولدًا.والثالث: معناه ورفعناه عليهم من أصله.قال الفراء: رفع الجبل على عسكرهم فرسخًا في فرسخ.قال مجاهد: وسبب رفع الجبل عليهم أنهم أبوا أن يقبلوا فرائض التوراة لما فيها من المشقة، فوعظهم موسى فلم يقبلوا، فرفع الجبل فوقهم وقيل لهم: إن أخذتموه بجد واجتهاد وإلا ألقي عليكم. قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة: فأخذوه بقوة ثم نكثوا بعد.واختلف في سبب رفع الجبل عليهم هل كان انتقامًا منهم أو إنعامًا عليهم؟ على قولين:أحدهما: أنه كان انتقامًا بالخوف الذي دخل عليهم.والثاني: كان إنعامًا لإقلاعهم به عن المعصية.{... وَظّنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ} فيه قولان:أحدهما: أنه غلب في نفوسهم انه واقع بهم على حقيقة الظن.والثاني: أنهم تيقنوه لما عاينوا من ارتفاعه عليهم، قاله الحسن.{خُذُواْ مَا ءَاتَيْنَاكُمْ} يعني التوارة.{بِقُوَّةٍ} يحتمل وجهين:أحدهما: بجد واجتهاد.والثاني: بنية صادقة وطاعة خالصة. اهـ.
والناتق الرحم التي تقلع الولد من الرجل، ومنه قول النابغة: وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «عليكم بتزويج الأبكار فإنهن أنتق أرحامًا وأطيب أفواهًا» الحديث. وقد جاء في القرآن بدل هذه اللفظة في هذه القصة بعينها رفعنا لكن {نتقنا}، و{فوقَهم} أعطت الرفع بزيادة قرينة هي أن الجبل اقتلعته الملائكة وأمر الله إياه، وروي أن موسى عليه السلام لما جاءهم بالتوراة فقال عن الله تعالى هذا كتاب الله أتقبلونه بما فيه؟ فإن فيه بيان ما أحل لكم وما حرم عليكم وما أمركم وما نهاكم، قالوا: انشر علينا ما فيها فإن كانت فرائضها يسيرة وحدودها خفيفة قبلناها، قال: قبلوها بما فيها قالوا: لا، فراجعهم موسى فراجعوا ثلاثًا فأوحى الله عز وجل إلى الجبل فانقلع وارتفع فوق رؤوسهم، فقال لهم موسى صلى الله عليه وسلم ألا ترون ما يقول ربي؟: لئن لم تقبلوا التوراة بما فيها لأرمينكم بهذا الجبل قال الحسن البصري: فلما رأوا إلى الجبل خر كل واحد منهم ساجدًّا على حاجبه الأيسر ونظر بعينه اليمنى إلى الجبل فرقًا أن يسقط عليه فلذلك ليس في الأرض يهودي يسجد إلا على حاجبه الأيسر يقولون هذه السجدة التي رفعت بها عنا العقوبة، والظلة ما أظل ومنه {من ظلل من الغمام} [البقرة: 210] ومنه {عذاب يوم الظلة} [الشعراء: 189] ومنه قول أسيد بن حضير للنبي صلى الله عليه وسلم: «قرأت البارحة فغشي الدار مثل الظلة فيها أمثال المصابيح فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تلك السكينة تنزلت للقرآن» فإن قيل فإذا كان الجبل ظلة فما معنى: كأنه؟ فالجواب أن البشر إنما اعتادوا هذه الأجرام الأرضية ظللًا إذا كانت على عمد، فلما كان الجبل على غير عمد قيل {كأنه ظلة} أي كأنه على عمد، {وظنوا} قال المفسرون: معناه أيقنوا.قال القاضي أبو محمد: وليس الأمر عندي كذلك بل هو موضع غلبة الظن مع بقاء الرجاء، وكيف يوقنون بوقوعه وموسى عليه السلام يقول: إن الرمي به إنما هو بشرط أن لا يقبلوا التوراة والظن إنما يقع ويستعمل في اليقين متى كان ذلك المتيقن لم يخرج إلى الحواس وقد يبين هذا فيما سلف من هذا الكتاب ثم قبل لهم في وقت ارتفاع الجبل: {خذوا ما آتيناكم بقوة} فأخذوها والتزموا جميع ما تضمنته من شدة ورخاء فما وفوا، وقرأ جمهور الناس: {واذكروا} وقرأ الأعمش فيما حكى أبو الفتح عنه: {واذكروا} {ولعلكم} على ترجيهم وهذا تشدد في حفظها والتهمم بأمرها. اهـ.
|